الرئيسية تقديرات الموقف الأوروبي من المواجهات الإسرائيلية الإيرانية
الموقف الأوروبي من المواجهات الإسرائيلية الإيرانية
تقديرات إتجاهات إقليمية ودولية

الموقف الأوروبي من المواجهات الإسرائيلية الإيرانية


مثّلت المواجهات بين إيران وإسرائيل، والتي استمرت لمدة ١٢ يوما، اختبارًا للسياسة الخارجية الأوروبية، ليس فقط في العلاقات مع طرفي الصراع المباشرين فحسب، وإنما فيما يتعلق بقدرة الاتحاد الأوروبي على صياغة مواقف واضحة وقوية من الأزمات الدولية ومدى استقلاليته عن الولايات المتحدة.
فبينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتلاعب بالتصريحات حول احتمال انضمامه إلى العدوان الإسرائيلي على إيران، ركز الأوروبيون جهودهم في البحث عن مسارات دبلوماسية لحل الأزمة.
وفي ظل انتهاجها هذه المقاربة الدبلوماسية، لم تحظَ أوروبا بتأييد واشنطن ولم تُحسّن مكانتها لدى إسرائيل، وواجهت اتهامات بفقدان كل مصداقيتها كوسيط نزيه مع إيران، وقدمت روسيا نفسها كوسيط محتمل، وهو ما استفز الزعماء الأوروبيين.

 

مخاوف أوروبا
خلال المواجهات بدا الأوروبيون مشتتين بين عدة اعتبارات؛ فهم لا يريدون أن تنتج إيران سلاحًا نوويًا ويريدون منعها من ذلك بشكل حاسم، لكنهم يخشون حربًا إقليمية تُلحق الضرر بالبنية التحتية للطاقة، وترفع أسعار النفط والغاز أكثر، وتُغلق مضيق هرمز، وتجلب موجة أخرى من طالبي اللجوء المذعورين إلى القارة لتحدث أزمة هجرة جديدة تلقي بظلالها على الداخل الأوروبي.
وزادت المخاوف الأوروبية مع مطالبة واشنطن وتل أبيب بتغيير النظام في إيران، وهو أمر من شأنه أن يزيد من احتمالات تحقق كل المخاوف السابقة ويفتح الباب أمام سيناريوهات أخرى.
وبدا واضحا خلال الأزمة أن نفوذ القادة الأوروبيين محدود نسبيًا على الأطراف الثلاثة: إيران وإسرائيل وحتى الولايات المتحدة، إذ ظهر أن وجهات النظر الأوروبية لم تشكل عاملاً مهماً في قرارات ترامب بشأن مهاجمة إيران، ومع ذلك، إذا تعرضت القوات الأمريكية لهجوم إيراني، فستتوقع واشنطن دعمًا أوروبيًا.


لقاء جنيف
حاولت أوروبا إيجاد دور لها، ووسط شعور بالتهميش خلال الأزمة، وجدت الفرصة لتطبيق رؤيتها في اجتماع جنيف بين وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى جانب كايا كلاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، يوم الجمعة، العشرين من يونيو، إذ شعر الأوروبيون أنهم أمسكوا بزمام المبادرة لإنهاء الحرب، فهذه هي أول مناقشات مباشرة بين إيران والغرب منذ أن بدأت إسرائيل هجومها على طهران.
وأعلن ترامب أنه سينتظر نتيجة هذا الاجتماع ليقرر إمكانية اشتراكه في الهجمات من عدمها، وأعلن البيت الأبيض مهلة أسبوعين لاتخاذ القرار الحاسم، وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، بعد ظهر يوم الخميس، في بيانٍ أن "هناك فرصة الآن خلال الأسبوعين المقبلين للتوصل إلى حل دبلوماسي".
لكن لم تسفر تلك المحادثات عن شيء يذكر، ولا حتى عن اتفاق على لقاء جديد، وشعرت بروكسل بالمفاجأة، إذ جاء الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية في إيران بعد نحو 24 ساعة من الاجتماع.
 رأى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الجهود الأوروبية لم تُسفر عن شيء، وأن الإيرانيين ليسوا حتى راغبين في التحدث معهم، بينما أصرت كلاس على أن طهران أصبحت أكثر انفتاحا بشأن القضايا النووية والأمنية، عندما سُئلت عن هذه القضية في مجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي في 23 يونيو، وأصر وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، على أن الضربات الإسرائيلية والأمريكية وحدها لن تمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، وأن ذلك لا يمكن معالجته إلا بالدبلوماسية.


التعويل الدائم على الدبلوماسية
مع بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، بدا واضحا أن الموقف الأوروبي يعول على الدبلوماسية، وجاء في بيان مشترك عن فرنسا وألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي: "يجب على جميع الأطراف ضبط النفس، والامتناع عن اتخاذ خطوات تؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة، والعودة إلى الدبلوماسي(١) ، وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: "لأوروبا دورٌ مهمٌّ، وكان لها دورٌ دائمًا. عندما تكون إيران مستعدةً للتحدث معنا، علينا أن نستغل هذه الفرصة"(٢) .
وعقب شنّ الولايات المتحدة غارات جوية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية، جدد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي دعوتهم إلى الدبلوماسية بين واشنطن وطهران، وعندما تم التوصل لوقف القتال، قالت كلاس إن وقف إطلاق النار "الهش" المعلن بين إسرائيل وإيران نبأ سار قد يدفع جميع الأطراف إلى العودة للتفاوض، مضيفة "على جميع الأطراف الامتناع عن ارتكاب مزيد من العنف. هذا هو الوقت المناسب للعودة إلى طاولة المفاوضات".
فعلى طاولة المفاوضات تملك أوروبا نفوذًا كبيرًا لا تستطيع واشنطن تجاوزه، فرغم أن ترامب أطلق ترامب مفاوضات مباشرة مع إيران، وحاول بالفعل تجاوز أوروبا واستبعادها، لكنه لم ينجح في تحقيق أي إنجاز بمفرده، بل لجأ الإيرانيون للتواصل مع بروكسل لأن لديهم أوراقًا مهمة ستجعل أي اتفاق مع واشنطن منقوصًا بدون الشركاء الآخرين.
فحتى إذا تم التوصل إلى اتفاق تفاوضي، فسيكون للأوروبيين دورٌ مهمٌّ في الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، الجهة الرقابية على معاهدة حظر الانتشار النووي، للمساعدة في إنفاذه، فلديهم وسيلة ضغط تعد من المغانم القليلة المتبقية من الاتفاق النووي المبرم عام ٢٠١٥، وهي آلية "سناب باك" التي تسمح لأوروبا عمليًا بالمطالبة بإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، والتي رُفعت بموجب الاتفاق، وقد هددت مرارًا بإعادة فرض العقوبات إذا لم تُحسّن إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن المقرر أن ينتهي هذا التهديد في أكتوبر، إلى جانب معظم بنود الاتفاق، وهو ما يضيف عنصرا آخر من الحاجة الملحة والعاجلة إلى المفاوضات.
فقد كان الدول الأوروبية الثلاث، المعروفة باسم مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3)، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، دورًا هامًا في المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الأصلي مع إيران عام ٢٠١٥، وقالت كالاس: "إن الاتحاد الأوروبي قادر على لعب دوره في التوصل إلى حل دبلوماسي، وسوف يلعب دوره"، فأوروبا أيضاً معنية بضمان عدم امتلاك إيران للأسلحة النووية، وقد حاولت ممارسة النفوذ المحدود الذي لديها لإنهاء الحرب وأيضا ضمان وجود إيران غير نووية(٣) .

 أدى اتفاق ١٠١٥ إلى تقييد البرنامج النووي مقابل تخفيف العقوبات، ولا يزال الاتحاد الأوروبي متمسكًا بخطة العمل الشاملة المشتركة تلك كرمز للإنجاز الدبلوماسي الأوروبي، رغم تعرّض الاتفاق لضربة موجعة خلال ولاية ترامب الأولى عبر انسحابه منه بشكل أحادي.


انقسامات المواقف الأوروبية
يُعيق الانقسام بشأن إسرائيل موقفَ أوروبا، فقد صعّد المسؤولون الألمان والفرنسيون ومن الاتحاد الأوروبي انتقاداتهم للسلوك العسكري الإسرائيلي في غزة، لكنهم كانوا أكثر تحفظًا وانقسامًا فيما يتعلق بالضربات على إيران.
وثارت الخلافات حول مبررات الهجوم الذي شنته تل أبيب على إيران يوم الجمعة، ١٣ يونيو، بين السفراء في بروكسل، مما أعاق محاولات الاتحاد الأوروبي لإيجاد استجابة مشتركة للأزمة، وكانت القضية قيد المناقشة هي المدى الذي يكون فيه الحق في الدفاع عن النفس مقبولا بشكل يبرر هذا الهجوم.
أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا يدعو فيه "جميع الأطراف إلى الالتزام بالقانون الدولي وإظهار ضبط النفس والامتناع عن اتخاذ خطوات أخرى من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة مثل إطلاق المواد المشعة المحتملة"، وقد تركزت المداولات بين الدول الأعضاء قبل إصدار هذا البيان حول ما إذا كان ينبغي للاتحاد الأوروبي أن ينص على أن "إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها" أم لا.
وكانت نحو 15 دولة عضو، بما فيها النمسا والتشيك وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا وهولندا، ترغب في إضافة هذه الجملة، لكن لم يتم الاتفاق على ذلك بالإجماع، إذ رأت عدة دول أخرى عدم وجود أدلة كافية تثبت أن إسرائيل لديها الحق بموجب القانون الدولي في شن الهجوم.
وقد فوجئ دبلوماسيون في الاتحاد بتغريدة من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أعلنت فيها دعمها الضمني للهجمات الإسرائيلية ضد طهران، وذهبت إلى أبعد من البيان المتفق عليه للمجلس الأوروبي، المسؤول عن السياسة الخارجية، إذ غرّدت قائلةً: "تحدثتُ مع الرئيس (الإسرائيلي) هرتسوغ بشأن الوضع المتصاعد في الشرق الأوسط، وأكدتُ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية شعبها"، رغم أنه لم يكن هناك إجماع على القول بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، مما أثار استياءً مكتومًا لدى البعض.
واستخدمت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، لغة أقل انحيازا فغردت قائلة إن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها "بما يتماشى مع القانون الدولي"، ولم تحد عن الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي الداعي إلى التوصل إلى حل دبلوماسي للحرب والالتزام بالقانون الدولي(٤) .

وبعيدا عن الموقف المشترك فقد أعرب أعضاء الاتحاد عن رؤى متباينة، فقد حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من اتساع نطاق الحرب، بينما رحّب المستشار الألماني فريدريش ميرز، بالهجمات الإسرائيلية، وقال: "لا يوجد سبب يدفعنا، ولا يدفعني أنا شخصيًا، لانتقاد ما بدأته إسرائيل"، معتبرا أنها تقوم بـ"عمل قذر" نيابة عن الغرب في محاولة لمنع إيران من تحقيق طموحاتها النووية، مؤكدًا أن هذا الرأي يحظى بقبول واسع، وأصدر رئيس الوزراء التشيكي، بيتر فيالا، أحد أكثر التصريحات إيجابية بشأن الهجمات الأمريكية واصفا إياها بأنها “جهد مفهوم لمنع طهران من تطوير أسلحة نووية”.
وعلى العكس، قال نائب رئيس الوزراء الإيرلندي سيمون هاريس، إن هجوم واشنطن كان "تدخلا غير مفيد للغاية.. وأضاف مستوى كبيرا من الخطر إلى وضع متقلب بالفعل.. هناك قوانين دولية تقول أنه لا ينبغي لك أن تفعل هذا"
وهكذا يتضح أن الموقف الأوروبي من المواجهات التي استمرت لمدة ١٢ يوما بين طهران وواشنطن اتسم بالحذر والتعويل على الدبلوماسية ومحاولة التحرك بالقدر الأدنى من الإجماع للدفع نحو العودة إلى طاولة المفاوضات التي تحظى فيها بروكسل بالنفود والقوة.
ورغم أن أوروبا لها مخاوف أكبر من الولايات المتحدة نظرا لقربها الجغرافي النسبي، فإن رد الفعل الأوروبي لم يكن مستقلًا عن الولايات المتحدة، ولم يكن فاعلا خلال الأزمة رغم الجهود الكبيرة التي تم بذلها على أعلى المستويات، لكن الميدان كان يقود المشهد الذي حفل بالعديد من المفاجآت المتسارعة والتطورات الصادمة مما أضعف من فعالية المبادرات الدبلوماسية وقدرتها على استيعاب المستجدات، وهمَشَ دور من يعولون عليها.

 


(١)Europe and Iran will try diplomacy as US weighs joining fight with Israel, AP News, June 19, 2025, the link:
https://apnews.com/article/iran-geneva-eu-nuclear-israel-052d110446e77596595c59b4e790da9a


(٢)  https://www.politico.eu/article/eu-leaders-reinforce-calls-diplomatic-solution-after-american-strikes-iran/


(٣)  Largely Sidelined on Iran, Europe Makes a Late Push for Diplomacy, New York Times, June 19,2025 , The link:
https://www.nytimes.com/2025/06/19/world/europe/europe-iran-israel-war-talks-nuclear.html

(٤) EU divided over Israel's right to bomb Iran, euronews, June 19,2025 , The link: 
https://www.euronews.com/my-europe/2025/06/19/eu-divided-over-israels-right-to-bomb-iran

إخلاء للمسئولية: تعبّر وجهات النظر المذكورة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المركز أو فريق العمل.

التعليقات