Home Private files مسارات المشاركة الحوثية في التوترات الإقليمية عقب الحرب الإيرانية-الإسرائيلية
مسارات المشاركة الحوثية في التوترات الإقليمية عقب الحرب الإيرانية-الإسرائيلية
Private files Security Trends

مسارات المشاركة الحوثية في التوترات الإقليمية عقب الحرب الإيرانية-الإسرائيلية


على مدى سنوات عديدة، أنشأت القيادة الإيرانية شبكة من الميليشيات المتحالفة في منطقة الشرق الأوسط، تتشارك معها العقيدة العدائية المعلنة لإسرائيل وأمريكا، بهدف تعزيز نفوذها الإقليمي وحماية النظام، ومنذ 13 يونيو/حزيران الجاري، استهدف القصف الجوي الإسرائيلي أغلب قدرات إيران الصاروخية الباليستية، وتم اغتيال أسماء كبرى مرتبطة بتكوين ما يسمى الأمن القومي الإيراني متعدد الطبقات في مقدمته "محور المقاومة"، وجماعة الحوثيين المسلحة هي جزء من هذه الشبكة التي يفترض بها أن تكون حائط صد أمام وصول الحرب إلى الأراضي الإيرانية. 
خلال الـ 12 يوماً اللاحقة تسارعت الأحداث في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، أعلن الحوثيون استعدادهم لعودة الهجمات على السفن الأمريكية إذا قامت الولايات المتحدة بشن هجوم على إيران (١). في اليوم التالي ألقت قاذفات بي -2 الأمريكية 14 طناً من المتفجرات على ثلاثة مفاعلات نووية إيرانية رئيسية ورداً على ذلك شنت إيران هجوماً صاروخياً محدوداً على قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر تم اعتراضه. لم يرد الحوثيون على الولايات المتحدة التي أعلنت فجر يوم 24 يونيو/حزيران عن اتفاق مفاجئ لوقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والإيرانيين. أكد الحوثيون أن هذا الاتفاق لا يشمل عملياتهم ضد إسرائيل فيما يقولون إنه دعم لقطاع غزة الفلسطيني. 
يستكشف هذا التقرير الدور المتطور لحركة الحوثيين في المشهد الجيوسياسي المتغير للشرق الأوسط، في ظل تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران، ويُسلّط الضوء على العوامل التي جعلت الجماعة فاعلة بقوة وأكثر براغماتية ضمن "محور المقاومة" منذ الـ 7 من أكتوبر 2023، على الرغم من تراجع قدرات راعيتهم الرئيسية، إيران، وكيف أن قدرتهم التي برزت منذ ذلك الوقت تُمكّنهم من مواصلة استهداف إسرائيل وتعطيل التجارة البحرية العالمية، حتى في ظل وقف إطلاق نار مع الولايات المتحدة. 

 

الحوثيون والمحور في سياق المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية الحالية
مثلت المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران منعطفاً حاسماً في تنافسهما طويل الأمد الممتد منذ 45 عاماً، على قيادة المنطقة، والذي تصاعد خلال العشرين عاماً الماضية مع تراجع العراق ومصر وسوريا. في 13 يونيو/حزيران الجاري، شنت إسرائيل موجات متوالية من الغارات على الجمهورية الإسلامية بشكل مفاجئ، وبالتزامن مع جولة مفاوضات دبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة للعودة للاتفاق النووي. تم استهداف القدرات النووية وبرنامج الصواريخ البالستية، واغتيال القادة الأمنيين والعسكريين والعلماء النوويين، وردت إيران بإطلاق موجات مماثلة من الصواريخ الباليستية وفرط صوتيه والطائرات المسيرة على المدن الإسرائيلية، وألحقت أضراراً بالأراضي الإسرائيلية لم يسبق أن تعرضت لها منذ 1973م.
حسب التقديرات، فإن إيران فقدت 35% من مخزونها من الصواريخ الباليستية، وحوالي نصف منصات إطلاقها (٢)، لكن التأثير في البرنامج النووي ظل أقل بكثير مما أملته إسرائيل حتى شنت الولايات المتحدة غاراتها يوم 23 يونيو/حزيران، لكن مع ذلك تشير التقييمات المخابراتية الأولية أنه جرى تأخيره فقط ولم يتم انهائه. بهذه النتيجة قد يدفع النظام في إيران لتغيير عقيدته النووية نحو امتلاك القنبلة. كما أن مشاركة الولايات المتحدة في القصف يعقد الوضع المتقلب، تزيد الطبيعة المتذبذبة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من حالة عدم اليقين في المنطقة -حيث هددت طهران في حال تدخل واشنطن- باستهداف القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة والتي اقتصرت على قاعدة العديد وبدون وقف إطلاق النار كان ذلك ينذر بتوسيع رقعة الحرب مع مشاركة وكلاء إيران في الاشتباك، ما يخلق آثاراً عميقة على منطقة الشرق الأوسط الأوسع. 
يشير تبادل الهجمات إلى خروج المعارك بين الإسرائيليين والإيرانيين من "المنطقة الرمادية" إلى المواجهة المباشرة، وهو ما يؤدي إلى مرحلة جديدة وأكثر خطورة في الصراع، يمكن اعتبارها حربا وجودية لكل من إسرائيل والنظام الإيراني معاً. خلال عقود اقتصرت مواجهاتهما على ضربات خلفية ضد مصالح كل طرف، مع تجنب المواجهة المباشرة، لكن إطلاق إيران للصواريخ بعيدة المدى من وسط البلاد، يعكس الضعف الذي وصلت إليه استراتيجيتها لـ "الدفاع الأمامي" والمتمثل فيما يسمى "محور المقاومة"، وهو شبكة عسكرية فضفاضة من الجماعات المسلحة، تتمتع بدعم مباشر من إيران والحرس الثوري، وتوحدها أيديولوجية مشتركة معادية للغرب وإسرائيل. تشمل المكونات الرئيسية لهذه الشبكة حزب الله في لبنان، ومختلف الميليشيات الشيعية العراقية، والمتمردين الحوثيين في اليمن، والنظام السوري السابق الذي سقط في ديسمبر/كانون الأول 2024.
تعرض المحور الإيراني لضربات عميقة خلال العام الماضي، فقد تمكنت إسرائيل من إضعاف حزب الله وقتلت معظم قيادة الصف الأول والثاني، وفقد الحزب طريق إمداد الأسلحة الإيرانية بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، كما جرى إضعاف الجماعات الشيعية في العراق بضربات أمريكية العام الماضي (٣)، ما أثر على العمق الاستراتيجي الإيراني، وأضعف قدرات طهران على فرض هيمنتها على وكلائها التقليديين.
في الوقت ذاته، برز الحوثيون-الذين كانوا يعتبرون في السابق "الأكثر هامشية" بين حلفاء إيران- كقوة إقليمية ذات نفوذ فريد من نوعه(٤). إن مهارتهم في الحفاظ على قدراتهم، بالإضافة إلى الاشتباك النشط مع إسرائيل وتعطيل حركة الشحن العالمي باستمرار، قد ميّزتهم عن الجماعات الأخرى المتحالفة مع إيران. هذه القدرة العملياتية المستدامة، حتى في ظل الترهل والضربات التي تعرضت لها الأطراف الأخرى في المحور، زادت -ربما دون قصد- من أهمية الحوثيين النسبية، وعززت مكانتهم داخل المحور. يشير هذا التحول إلى أن أفعال الحوثيين تحمل الآن وزنًا أكبر، وأصبح لها تأثير مباشر، وبشكل سيء على الاستقرار الإقليمي أكثر من السابق، مما يجعلهم محورًا رئيسيًا لاستراتيجيات مواجهة المحور. يمكن أن يمنح هذا التعزيز الحوثيين نفوذًا أكبر داخل المحور، مما يؤثر على حسابات إيران الاستراتيجية فيما يتعلق بدعمها لهم، وبخططها للرد الأوسع في المنطقة، إذا ما تدخلت الولايات المتحدة مستقبلاً وتوسعت الحرب. 

 

موقف الحوثيين واستعدادهم للتدخل
إن الصراع الإيراني الإسرائيلي المتصاعد يضع الحوثيين في موقف حرج، مما يؤثر على أنشطتهم العسكرية الحالية وخياراتهم الاستراتيجية المستقبلية. في اليومين الأولين عقب الهجمات الإسرائيلية على إيران أظهر الحوثيون ارتباكاً كبيراً للغاية، خاصة مع اغتيال معظم قادة الحرس الثوري والجيش الإيرانيين، عقب تهديدات إسرائيلية باغتيال قادة الجماعة. 
قرر الحوثيون في بادئ الأمر الانتظار ومعرفة ما تؤول إليه الأمور خلال هذه الحرب المتصاعدة، ويعود ذلك إلى عاملين رئيسيين قد يتناقضان ظاهريا، لكنها في نفس الوقت مترابطين: الأول طبيعة علاقتهم مع إيران، فالحركة عادة ما تصف علاقتها مع النظام الإيراني بـ"التحالف" وليس كعلاقة باقي أطراف المحور التي تبدو علاقة تبعية، وهذا لا ينفي رغبة الجماعة في أن ترسخ نفسها ضمن "محور المقاومة" كزعيمة في الإقليم، لكنها في الوقت ذاته تدرك أنه لا وجود للمحور في ظل ضعف -وربما نهاية- النظام الثيوقراطي في إيران، وحاجة الحركة إلى استمرار التزود بالأسلحة وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، في ظل نقاط الضعف العسكرية الإيرانية الحالية، وخاصة تدهور قدراتها الصاروخية بسبب الضربات الإسرائيلية، التي قد تحد من قدرتها على إعادة إمداد الحوثيين باحتياجاتهم، مما يثير حالة من الشك بشأن شحنات الصواريخ المستقبلية؛
الأمر الثاني، يتعلق بطبيعة الحوثيين البرغماتية، حيث توصف الحركة بكونها جهة فعالة براغماتية تسعى للتحوط من تضاؤل قدرات إيران، وفي الوقت نفسه تسعى إلى استمرار خطابها بشأن شن ضربات على الأراضي الإسرائيلية، فحسابات الحوثيين الاستراتيجية حول الأزمة الحالية لا تتمحور حول تجنب المشاركة في الحرب، بل حول تحسين سياستهم لتحقيق أهداف متعددة في آن واحد: الظهور كقوة إقليمية مساندة لإيران لأن مسألة هزيمتها في الوقت الحالي مسألة يصعب التكهن بها؛ والثاني تجنب الانخراط الكامل في الحرب وتبديد الهدنة مع الولايات المتحدة بعد أسابيع من القصف على البنية التحتية العسكرية للجماعة (بين مارس/آذار ومايو/أيار)؛ والذي يمكن أن يؤثر على بقاء الجماعة في حكم صنعاء. هذا يُشير إلى أن أفعال الحوثيين هي مزيج محسوب من الالتزام الأيديولوجي والحفاظ على الذات، مستغلين الأزمات الإقليمية لتعزيز مكانتهم المحلية والإقليمية. 
تفسر استراتيجية التحوّط التي اتبعها الحوثيون منذ 13 يونيو/حزيران، سبب خروج الحركة عن حالة السلبية التي نشهدها في وكلاء إيران الآخرين مثل حزب الله أو الميليشيات العراقية، الذين امتنعوا إلى حد كبير عن الانتقام المباشر في هذه المرحلة من المواجهة مع إسرائيل (وربما الولايات المتحدة). بالمقابل قال زعيم الحوثيين في خطاب وصفته وسائل إعلام الجماعة أنه موجه "للأمة" بعد يومين من بدء الهجمات، إن الجماعة ستقوم بكل ما يلزم دعماً للجمهورية الإيرانية (٥). وفي 15 يونيو/حزيران، أعلن المتحدث العسكري باسم الحركة يحيى سريع، عن تنفيذ ضربات ناجحة على "منطقة يافا المحتلة" بـ "صواريخ باليستية تفوق سرعة الصوت" بالتنسيق مع الجيش الإيراني (٦). 
على الرغم من أنها المرة الأولى التي يُشار فيها إلى "التنسيق المباشر" بين الحركة وإيران، إلا أن الحوثيين لم يعلنوا لاحقاً عن عمليات مماثلة حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران. مع ذلك فإن الإعلان الرسمي عن تنسيق الهجمات مع إيران يمثل نقطة تحول مهمة، تؤكد على تعميق العلاقة بين الطرفين، ويشير إلى أن علاقتهما تجاوزت مجرد الدعم، لتشمل الآن التخطيط المشترك للعمليات وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وهو ما ينقل هذه العلاقة في تصور الحوثيين إلى علاقة مصير مشترك، إذا ما شعر الحوثيون أن عملية عسكرية أمريكية-إسرائيلية مقبلة يمكن أن تسقط النظام الإيراني أو تؤثر على صورته الإقليمية كقوة ذات نفوذ محتمل؛ وتأجيل حصول طهران على حقها في البرنامج النووي الذي تطمح إليه. 

 

محددات مشاركة الحوثيين
في الوقت الحالي ومع وقف إطلاق النار واحتمال ذهاب طهران وواشنطن إلى مفاوضات بشأن البرنامج النووي، سيبقى الحوثيون ضمن "استراتيجية التحوط" التي يتبعونها منذ 13 يونيو/حزيران، لكن إذا ما عادت الحرب أو رأت الولايات المتحدة أن توجيه ضربات أخرى للمفاعلات الإيرانية يمكن أن يحقق مكاسب أفضل، قد يذهب الحوثيون إلى لإجراءات أخرى في ظل مخاوفهم أنهم هدف محتمل قادم. يعتقد عدد من القادة الحوثيين أن الحملة الإسرائيلية/الأمريكية ستتوجه إلى اليمن بعد إيران لإضعاف الحركة المسلحة، باعتبارهم آخر الأطراف ضمن "محور المقاومة"، وأن الهدنة مع الولايات المتحدة كانت لتضليلهم والإيرانيين، بشأن الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على إيران.
تلقى الحوثيون رسالة إسرائيلية حول ما يمكن أن تواجهه الجماعة، ففي 14 يونيو/حزيران، تعرضت صنعاء لغارة إسرائيلية استهدفت غرفة عمليات عسكرية تحت أرضية. قالت وسائل الإعلام العبرية إنها قتلت رئيس أركان الحوثيين محمد الغماري،(٧) وفيما يمكن تأكيد الضربة وموقعها لم يتم التأكد ممن تم استهدافه، وبغض النظر عن تفاصيل ونتائج حادثة استهداف قيادات حوثية في صنعاء، فإنها تمثل نقطة تحول محتملة في الصراع، فالأهم من الإصابات المادية هو الدلالة على القدرة على الاختراق الاستخباراتي. هذا يضع الحوثيين في حالة تأهب قصوى، ويدفعهم إلى مراجعة شاملة لإجراءاتهم الأمنية. لذلك إذا ما شعر الحوثيون بتهديد وجودي نتيجة عملية غربية خارجية أو تعرض النظام الإيراني لاحقاً لتهديد بعملية أمريكية محتملة في ظل المفاوضات بشأن البرنامج النووي فقد يدفع ذلك الحوثيين للمشاركة دفاعاً عن إيران وما يعتقده المصير المشترك للحركة مستخدمة عديد من الأورق بينها: 

  • إغلاق مضيق باب المندب: قد يتزامن هذا القرار مع تحرك إيراني مماثل لإغلاق مضيق هرمز في الخليج العربي، يعد المضيقان ضروريان لتجارة النفط العالمية. قد يذهب الحوثيون منفردين لإغلاق مضيق باب المندب للإضرار بالتجارة العالمية وهي شبه متوقفة بالفعل في الوقت الحالي. فحركة الناقلات والسفن التجارية في البحر الأحمر لا تزال بعيدة عن العودة إلى ما كانت عليه قبل عامين، بسبب هجمات الحوثيين، على الرغم من الهدنة مع الولايات المتحدة، فإن عدد السفن التي تبحر عبر البحر الأحمر وخليج عدن لا يزال منخفضًا بنسبة 70% تقريبًا، في يونيو/حزيران، مقارنة بمتوسط مستوى عامي 2022 و ٢٠٢٣،(٨) إذا قررت إيران التصعيد أكثر، فقد تقوم بتزويد الحوثيين بأسلحة أكثر تقدما أو توجيهات استراتيجية، مما يزيد من قوة هجماتهم وتعقيدها(٩)، عندها سيكون لازماً على الولايات المتحدة العودة إلى الحرب ضد الحوثيين، على الرغم من حالة الخلاف بين القيادة المركزية الأمريكية (التي تعمل في المنطقة) ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجديد في عهد ترامب، بشأن استمرار الحملة العسكرية ضد الحوثيين(١٠)، حيث يعتقد الأخير أن الحملة تستنزف الموارد العسكرية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. 
  • تزايد الضربات على إسرائيل: حتى بدون التنسيق مع إيران أو نيتها التصعيد، من المتوقع أن يشن الحوثيون هجمات أكثر تواترا وتطورا باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار على الأراضي الإسرائيلية أو الموانئ أو البنية التحتية الحيوية، بهدف إظهار التزامهم بمحور المقاومة. 
  • استهداف دول الخليج: رغم الهدنة الفعلية الحالية، فإن الحوثيين قد يوسعون نطاق هجماتهم لتشمل دول الخليج، عادة ما استخدم الحوثيون مهاجمة المنشآت الحيوية  كرافعة سياسية للحصول على مطالبهم. أما إذا عاد التوتر إلى المنطقة من جديد فقد يذهب الحوثيون لتوسيع الهجمات على الخليج ضمن "تنسيق" مع الهجمات الإيرانية على القواعد والمصالح الأمريكية انتقاماً من تدمير البرنامج النووي. لكن تملك طهران علاقة جيدة مع معظم دول الخليج التي أدانت بشدة الهجمات الإسرائيلية واستخدام فاعل إقليمي آخر يسمح لها بالمستوى المعقول من الإنكار. 

إذا ما شنت الحركة الحوثية هجمات على السعودية والإمارات، فإنها تغامر بعودة الحرب الداخلية مجدداً وهو ما يعني تكاليف باهظة يمكن أن يهز بقائها في صنعاء، لذلك قد يتجنب الحوثيون الذهاب لشن هجمات على الخليج -والاكتفاء بالتهديد البحري-، لفتح المجال أمام استخدام مخاوف المنطقة من الهجمات كأداة ضغط لتقديم الرياض وأبو ظبي المزيد من التنازلات لصالح الحركة في اليمن على حساب الحكومة المعترف بها دولياً.

 

المسارات المحتملة
يعتمد مسار الحركة الحوثية والاستقرار في اليمن على عدة عوامل حاسمة مؤثرة في المنطقة واليمن بشكل عام، وعلى الحركة بشكل خاص، تتمثل هذه المسارات، والعوامل المؤدية إلى كل منها، في التالي: 
مسارات لخفض التصعيد:

  • يربط الحوثيون صراحة أنشطتهم ضد الملاحة البحرية بالحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، ويقولون إن وقفها مرتبط بوقف تلك الحرب. إحداث تحوّل في سرديتهم، التي تجعل هذه الأنشطة دعماً لإيران بدلا عن غزة، قد يؤدي إلى فقدان ثقة أنصارهم والمجتمع في مناطق سيطرتهم، والنظر إليهم باعتبارهم وكيلاً لإيران، وهي تهمة طالما نفتها الجماعة المسلحة منذ أكثر من عقدين. فعلى الرغم من الدعم المادي الاستراتيجي الذي تتلقاه، إلا أن قادتها دائما ما يشيرون إلى علاقتهم بطهران باعتبارها "تحالفاً". بطبيعة الحوثيين البرغماتية يمكن استخدام ذلك كمبرر لعدم المشاركة الفاعلة مستقبلاً في المواجهة الإيرانية التدريجية التي تعتمد على الوكلاء، واقتصاره على الحرب في غزة. وهو مبرر يمكن أن يسوقه الحوثيون لأنصارهم ولإيران حيث يملك اليمنيون تعاطفاً كبيراً مع الفلسطينيين لكن ليس الأمر كذلك في حالة غزة.
  • يمكن أن يتجنب الحوثيون الذهاب نحو خيار ضرب المصالح الأمريكية في الخليج العربي، بناء على ضمانات سعودية وعُمانية ووسطاء آخرين، لتسهيل تحقيق طموحاتهم المحلية، يأتي ذلك مع شعور الحركة أن إيران غير قادرة على الاستمرار في تدفق الدعم العسكري إلى مناطق سيطرتهم، بسبب الضربات التي تعرضت لها، وبالتالي يمكن أن يُدفعوا قسراً لتجنب التصعيد في المنطقة، وربما الوصول لاتفاق سلام في اليمن، يرضي الجماعة ويلبي طموحاتها. 

 

مسارات لمزيد من الصراع

  • عودة الضربات الإسرائيلية على إيران ودخول الولايات المتحدة للمشاركة المباشرة في الصراع والذي سيكون هدفه اسقاط النظام في طهران. سيكون ذلك في حال فشل الوصول لاتفاق في المفاوضات المرتقبة بين طهران وواشنطن، في وقت تخلص فيه التقييمات المخابراتية النهائية إلى أن إيران مستمرة في برنامجها النووي ولم يتم تأخيره إلا عدة أشهر إضافية. وإذا ما عاد التوتر للمنطقة قد تُدفع طهران إلى زيادة الضغط على الحوثيين للانتقام، وإذا ما شعر الحوثيون بكون "المصير مشترك" سيذهبون إلى التصعيد الأوسع، رغم معرفتهم بالتكلفة الباهظة التي سيدفعونها إذا خرجوا من اتفاق الهدنة مع الولايات المتحدة. 
  • التوسع المفرط للحوثيين أو سوء التقدير في حملتهم بالبحر الأحمر، قد يستفز استجابة عسكرية أكثر حسماً من جانب الولايات المتحدة أو تحالف متعدد الجنسيات، مما قد يؤدي إلى تدهور كبير في قدراتهم أو مواجهة عسكرية أوسع نطاقاً.
  • إن تصعيد الحوثيين باتجاه دول الخليج للرد في المرحلة القادمة، سيؤدي إلى انهيار الهدنة السعودية-الحوثية القائمة بحكم الأمر الواقع، أو تجدد الحرب الداخلية، لا سيما في مناطق المواجهات الساخنة مثل مأرب وتعز والحديدة، ما يُشعل فتيل الحرب وانهاء الهدنة مع القوات الحكومية المستمرة منذ 2022.  وبفضل ذلك تعود الترتيبات بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وحلفائها الآخرين، للعودة إلى خيار الحرب وبشكل أوسع نطاقاً، وبغطاء سياسي ودبلوماسي غربي-خاصة في مجلس الأمن، حتى لو تعارض ذلك مع مواقف كل من روسيا والصين، اللتان تفقدان مصالحها ونفوذها مع التصعيد في الشرق الأوسط.

تتشابك التهديدات الحوثية في البحر الأحمر بشكل وثيق مع التوترات الإقليمية المتصاعدة، خاصةً مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن عودة الحرب الإسرائيلية-الإيرانية وطبيعة المفاوضات النووية الإيرانية مع الولايات المتحدة. إنّ التوازن الدقيق الذي يحافظ عليه الحوثيون حاليًا ضمن "استراتيجية التحوط" قد ينهار إذا ما عادت وتصاعدت المواجهة الأمريكية-الإسرائيلية ضد إيران، مما يدفع الحوثيين إلى تصعيد غير محسوب. هذا التصعيد لا يهدد الملاحة الدولية فحسب، بل يمتد ليشمل الأمن القومي لدول شبه الجزيرة العربية واليمن نفسها.
يعتمد مستقبل الاستقرار في اليمن والبحر الأحمر على جملة من العوامل المعقدة. فإما أن يسعى الحوثيون إلى خفض التصعيد عبر ربط أنشطتهم في البحر الأحمر بوقف الحرب على غزة، مما يسمح لهم بالحفاظ على دعم أنصارهم وتجنب الظهور كوكلاء لإيران. أو أن يدفعهم الضغط الإيراني المباشر، أو شعورهم بـ"المصير المشترك" في مواجهة أي ضربات قادمة على إيران، إلى تصعيد أوسع وأكثر خطورة يهدد الاستقرار في اليمن وشبه الجزيرة العربية. هذا التصعيد قد يستفز ردود فعل عسكرية حاسمة من الولايات المتحدة أو تحالف دولي، مما يؤدي إلى تدهور كبير في قدرات الحوثيين، ومواجهة عسكرية أوسع نطاقًا داخل الحرب اليمنية ومشاركة فاعلين إقليميين ودوليين آخرين. 



 (١)Yemen's Houthis vow to strike US ships if America joins Israel’s war on Iran, accessed on June 21, 2025, https://www.thenationalnews.com/news/mena/2025/06/21/yemens-houthis-vow-to-strike-us-ships-if-americans-join-israels-war-on-iran/


(٢) Iran Update Special Report, June 18, 2025, Evening Edition | Institute for the Study of War, accessed on June 20, 2025, https://understandingwar.org/backgrounder/iran-update-special-report-june-18-2025-evening-edition

(٣) US carries out strike in Iraq as regional tensions worsen, accessed on June 20, 2025, https://www.reuters.com/world/middle-east/explosions-iraqs-pmf-security-agency-base-south-baghdad-kill-one-member-sources-2024-07-30/ 
Militia hit by U.S. airstrikes in Iraq claims no connection to attacks on American troops, accessed on June 20, 2025, https://www.pbs.org/newshour/show/militia-hit-by-u-s-airstrikes-in-iraq-claims-no-connection-to-attacks-on-american-troops  

(٤) Iran–Israel conflict: Iran has run out of good options | Chatham House, accessed on June 20, 2025, https://www.chathamhouse.org/2025/06/iran-israel-conflict-iran-has-run-out-good-options

(٥) Remarks by Leader Al-Sayyid Abdul Malik Badruddin Al-Houthi on Israeli Aggression Against Islamic Republic of Iran, accessed on June 18, 2025, https://www.saba.ye/en/news3499301.htm


(٦)Yemen's Houthis target Israel with ballistic missiles in coordination with Iran, accessed on June 20, 2025, https://www.reuters.com/world/middle-east/yemens-houthis-target-israel-with-ballistic-missiles-coordination-with-iran-2025-06-15/

(٧) Israel attempts assassination of Houthi military chief in Yemen, accessed on June 20, 2025, https://www.newarab.com/news/israel-attempts-assassination-houthi-military-chief-yemen 

(٨) What if Iran Tries to Close the Strait of Hormuz?, accessed on June 20, 2025, https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-06-19/what-is-the-strait-of-hormuz-and-could-iran-block-it 

(٩) Scenarios and Implications of Escalating Conflict Between Israel and the Houthis, accessed on June 20, 2025, https://lansinginstitute.org/2025/01/10/scenarios-and-implications-of-escalating-conflict-between-israel-and-the-houthis/

(١٠)Why Trump Suddenly Declared Victory Over the Houthi Militia, accessed on June 20, 2025, https://www.nytimes.com/2025/05/12/us/politics/trump-houthis-bombing.html

 

The stated views express the views of the author and do not necessarily reflect the views of the Center or the work team.

Comments